الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر الحرب بين عسكر خوارزم والأتراك البرزية: .ذكر أحوال المؤيد بخراسان هذه السنة: وسار المؤيد من نيسابور إلى بيهق، فوصلها رابع عشر ربيع الأخر من السنة، وقصد منها حصن خسروجرد، وهو حصن منيع بناه كيخسرو الملك قبل فراغه من قتل افراسياب، وفيه رجال شجعان، فامتنعوا على المؤيد، فحصرهم ونصب عليهم الجانيق، وجد في القتال، فصبر أهل الحصن حتى نفذ صبرهم، ثم ملك المؤيد القلعة وأخرج كل من فيها ورتب فيها من يحفظها، وعاد منها إلى نيسابور في الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السنة. ثم سار إلى هراة، فلم يبلغ منها غرضاً، فعاد إلى نيسابور، وقصد مدينة كندر، وهي من أعمال طريثيث، وقد تغلب عليها رجل اسمه أحمد كان خربندة، واجتمع معه جماعة من الرنود وقطاع الطريق والمفسدين، فخربوا الكثير من البلاد، وقتلوا كثيراً من الخلق، وغنموا من الأموال ما لا يحصى. وعظمت المصيبة بهم على خراسان وزاد البلاء، فقصدهم المؤيد، فتحصنوا بالحصن الذي لهم، فقوتلوا أشد قتال، ونصب عليهم العرادات والمنجنيقات، فأذعن هذا الخربندة أحمد إلى طاعة المؤيد والانخراط في سلك أصحابه وأشياعه، فقبله أحسن قبول، وأحسن إليه وأنعم عليه. ثم إنه عصى المؤيد، وتحصن بحصنه، فأخذه منه المؤيد قهراً وعنوة، وقيده، واحتاط عليه، ثم قتله وأراح المسلمين منه ومن شره وفساده، وقصد المؤيد في شهر رمضان ناحية بيهق عازماً على قتالهم لخروجهم عن طاعته، فلما قاربها أتاه زاهد من أهلها ودعاه إلى العفو عنهم والحلم عن ذنوبهم، ووعظه وذكره، فأجابه إلى ذلك ورحل عنهم؛ فأرسل السلطان ركن الدين محمود بن محمد الخان إلى المؤيد بتقرير نيسابور وطوس وأعمالها عليه، ورد الحكم فيها إليه، فعاد إلى نيسابور رابع ذي القعدة من السنة، ففرح الناس بما تقرر بينه وبين الملك محمود وبين الغز من إبقاء نيسابور عليه ليزول الخلف والفتن عن الناس. .ذكر الحرب بين شاه مازندران ويغمرخان: وكان على ميمنة الأمير مازندران الأمير إيثاق، فحملت الأتراك الغزية عليه لما أيسوا من الظفر بقلب شاه مازندران، فانهزم إيثاق وتبعه باقي العسكر، ووصل شاه مازندران إلى سارية، وقتل من عسكره أكثرهم. وحكي أن بعض التجار كفن ودفن من هؤلاء القتلى سبعة آلاف رجل. وأما إيثاق فإنه قصد في هربه خوارزم وأقام بها، وسار الغز من المعركة إلى دهستان، وكان الحرب قريباً منها، فنقبوا سورها، وأوقعوا بأهلها ونهبوهم أوائل سنة ست وخمسين وخمسمائة، بعد أن خربوا جرجان وفرقوا أهلها وعادوا إلى خراسان. .ذكر وفاة خسرشاه صاحب غزنة وملك ابنه بعده: وملك بعده ابنه ملكشاه فلما ملك نزل علاء الدين الحسين، ملك الغور، إلى غزنة فحصرها، وكان الشتاء شديداً والثلج كثيراً، قلم يمكنه المقام عليها، فعاد إلى بلاده في صفر سنة ست وخمسين. .ذكر الحرب بين إيثاق وبغراتكين: .ذكر وفاة ملكشاه بن محمود: ولما مات أخرج أهل أصفهان أصحابه من عندهم، وخطبوا لسليمان شاه واستقر ملكه بتلك البلاد، وعاد شملة إلى خوزستان فأخذ ما كان ملكشاه تغلب عليه منها. .ذكر عدة حوادث: وفيها أرسل زين الدين علي نائب قطب الدين، صاحب الموصل، رسولاً إلى المستنجد يعتذر مما جناه من مساعدة محمد شاه في حصار بغداد، ويطلب أن يؤذن له في الحج، فأرسل إليه يوسف الدمشقي، مدرس النظامية، وسليمان بن قتلمش يطيبان قلبه عن الخليفة ويعرفانه الإذن في الحج، فحج ودخل إلى الخليفة، فأكرمه وخلع عليه. وفيها توفي قايماز الأرجواني أمير الحاج، سقط عن الفرس وهو يلعب بالأكرة، فسال مخه من منخريه وأذنيه فمات. وفيها، في ربيع الأول، توفي محمد بن يحيى بن علي بن مسلم أبو عبد الله الزبيدي، من أهل زبيد وهي مدينة مشهورة باليمن، وقدم بغداد سنة تسع وخمسمائة، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ وكان نحوياً واعظاً، وصحبه الوزير ابن هبيرة مدة، وكان موته ببغداد. ثم دخلت: .سنة ست وخمسين وخمسمائة: .ذكر الفتنة ببغداد: .ذكر قتل ترشك: .ذكر قتل سليمان شاه والخطبة لأرسلان: وأرسل إلى إيلدكز، صاحب آران وأكثر بلاد أذربيجان، يستدعيه إليه ليخطب للملك أرسلان شاه الذي معه، وبلغ الخبر إلى إينانج صاحب بلاد الري، فسار ينهب البلاد إلى أن وصل إلى همذان، فتحصن كردبازو، فطلب منه إينانج أن يعطيه مصافاً، فقال: أنا لا أحاربك حتى يصل الأتابك الأعظم إيلدكز. وسار إيلدكو في عساكره جميعاً يزيد على عشرين ألف فارس، ومعه أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه، فوصل إلى همذان، فلقيهم كردبازو، وأنزله دار المملكة، وخطب لأرسلان شاه بالسلطنة بتلك البلاد، وكان إيلدكز قد تزوج بأم أرسلان شاه، وهي أم البهلوان بن إيلدكز، وكان إيلدكز أتابكه، والبهلوان حاجبه، وهو أخوه لأمه، وكان إيلدكز هذا أحد مماليك السلطان مسعود واشتراه في أول أمره، فلما ملك أقطعه أران وبعض أذربيجان؛ واتفق الحروب والاختلاف، فلم يحضر عنده أحد من السلاطين السلجوقية، وعظم شأنه وقوي أمره، وتزوج بأم الملك أرسلان شاه، فولدت له أولاداً منهم البهلوان محمد، وقزل أرسلان عثمان. وقد ذكرنا سبب انتقال أرسلان شاه إليهن وبقي عنده إلى الآن، فلما خطب له بهمذان أرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة لأرسلان شاه أيضاً، وأن تعاد القواعد إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود، فأهين رسوله وأعيد إليه على أقبح حالة؛ وأما إيناننج صاحب الري فإن إيلدكز راسله ولاطفه فاصطلحا وتحالفا على الاتفاق، وتزوج البهلوان بن إيلدكز بابنة إينانج ونقلت إليه بهمذان. .ذكر الحرب بين ابن آقسنقر وعسكر إيلدكز: .ذكر الحرب بين إيلدكز وإينانج: وسمع الخبر إيلدكز، فحشد وجمع، وكثر عسكره وجموعه فكانت أربعين ألفاً، وسار إلى أصفهان يريد بلاد فارس، وأرسل إلى زنكي بن دكلا يطلب منه الموافقة على أن يعود يخطب لأرسلان شاه، فلم يفعل، وقال: إن الخليفة قد أقطعني بلاده وأنا سائر إليه، فرحل إيلدكز، وبلغه أن لأرسلان بوقا، وهو أمير من أمراء زنكي، وفي أقطاعه أرجان، بالقرب منه، فأنفذ سرية للغارة عليه، فاتفق أن أرسلان بوقا عزم على تغيير الخيل التي معه لضعفها، وأخذ عوضها من ذلك الجشير، فسار في عسكره إلى الجشير، فصادف العسكر الذي سيره إيلدكز لأخذ دوابه، فقاتلهم وأخذهم وقتلهم، وأرسل الرؤوس إلى صاحبه، فكتب بذلك إلى بغداد وطلب المدد، فوعد بذلك. وكان الوزير عون الدين أيضاً قد كاتب الأمراء الذين مع إيلدكز يوبخهم على طاعته، ويضعف رأيهم، ويحرضهم على مساعدة زنكي ابن دكلا وإينانج؛ وكان إينانج قد برز من الري في عشرة آلاف فارس، فأرسل إليه ابن آقسنقر الأحمديلي خمسة آلاف فارس، وهرب ابن البازدار، صاحب قزوين، وابن طغيرك وغيرهما، فلحقوا بإينانج وهو في صحراء ساوة. واما إيلدكز فإنه استشار نصحائه، فأشاروا بقصد إينانج لأنه أهم، فرحل إليه، ونهب زنكي بن دكلا سهيرم وغيرها، فرد إيلدكز إليه أميراً في عسرة آلاف فارس لحفظ البلاد. فسار زنكي إليهم، فلقيهم وقاتلهم، فانهزم عسكر إيلدكز إليه، فتجلد لذلك وأرسل يطلب عساكر أذربيجان، فجاءته مع ولده قزل أرسلان. وسير زنكي بن دكلا عسكراً كثيراً إلى إينانج، واعتذر عن الحضور بنفسه عنده لخوفه على بلاده من شملة، صاحب خوزستان، فسار إيلدكز إلى إينانج وتدانى العسكران، فالتقوا تاسع شعبان وجرى بينهم حرب عظيمة أجلت عن هزيمة إينانج، فانهزم أقبح هزيمة وقتلت رجاله ونهبت أمواله، ودخل الري، وتحصن في قلعة طبرك، وحصر إيلدكز الري، ثم شرع في الصلح، واقترح إينانج أقتراحات، فأجابه إيلدكز إليها، وأعطاه جرباذقان وغيرها، وعاد إيلدكو إلى همذان؛ كان ينبغي أن تتأخر هذه الحادثة والتي قبلها، وإنما قدمت لتتبع أخواتها. .ذكر وفاة ملك الغور وملك ابنه محمد: .ذكر الفتنة بنيسابور وتخريبها: وقتل من أهل الفساد جماعة، فخربت نيسابور بالكلية، ومن جملة ما خرب مسجد عقيل، كان مجمعاً لأهل العلم، وفيه خزائن الكتب الموقوفة، وكان من أعظم منافع نيسابور؛ وخرب أيضاً من مدارس الحنفية ثماني مدارس، ومن مدارس الشافعية سبع عشرة مدرسة، وأحرق خمس خزائن للكتب، ونهب سبع خزائن كتب وبيعت بأبخس الأثمان؛ هذا ما أمكن إحصاؤه سوى ما لم يذكر. .ذكر خلع السلطان محمود ونهب طوس وغيرها من خراسان: ثم إن محموداً أظهر أنه يريد دخول الحمام، فدخل إلى شهرستان، آخر شعبان، كالهارب من الغز، وأقاموا على نيسابور إلى أخر شوال، ثم عادوا راجعين، فعاثوا في القرى ونهبوها، ونهبوا طوس نهباً فاحشاً، وحضروا المشهد الذي لعلي بن موسى، وقتلوا كثيراً ممن فيه ونهبوهم، ولم يعرضوا للقبة التي فيها القبر. فلما دخل السلطان محمود إلى نيسابور أمهله المؤيد إلى أن دخل رمضان منسنة سبع وخمسين وخمسمائة وأخذه وكحله وأعماه، وأخذ ما كان معه من الأموال والجواهر والأعلاق النفيسةن وكان يخفيها خوفاً عليها من الغز، لما كان معهم، وقطع المؤيد خطبته من نيسابور وغيرها مما هو في تصرفه، وخطب لنفسه، بعد الخليفة المستنجد بالله، وأخذ ابنه جلال الدين محمداً الذي كان قد ملكه الغز أمرهم قبل أبيه، وقد ذكرنا ذلك، وسلمه أيضا، وسجنهما، ومعهما جواريهما وحشمهما، وبقيا فيها فلم تطل أيامهما، ومات السلطان محمود، ثم مات ابنه بعده من شدة وجده لموت أبيه، والله أعلم. .ذكر عمارة شاذياخ نيسابور: فعظم الأمر عليه وخرج من البلد لوقته، ونزل في الخيام، وأمر الجند فخرجوا من دور الناس، وبنى شاذياخ داراً له ولجنده وسكنها وهم معه، ثم إنها دثرت بعد ذلك. فلما كان أيام السلطان ألب أرسلان، ذكرت له هذه القصة فأمر بتجديدها، ثم إنها تشعثت بعد ذلك، فلما كان الآن وخربت نيسابور ولم يمكن حفظها، والغز تطرق البلاد وتنهبها، وأمر المؤيد حينئذ بعمل سورها، وسد ثلمه وسكناه، ففعل ذلك وسكنها هو والناس وخربت حينئذ نيسابور كل خراب، ولم يبق فيها أنيس. .ذكر قتل الصالح بن رزيك ووزارة ابنه زريك: وكان أشدهم في ذلك إنسان يقال له ابن الراعي، فوقفوا في دهليز القصر، فلما دخل ضربوه بالسكاكين على دهش منه فجرحوه جراحات مهلكة، إلا أنه حمل إلى داره وفيه حياة، فأرسل إلى العاضد يعاتبه على الرضى في قتله مع أثره في خلافته، فأقسم العاضد بأنه لا يعلم بذلك، ولم يرضى به. فقال: إن كنت بريئاً فسلم عمتك إلي حتى انتقم منها؛ فأمر بأخذها، فأرسل إليها قهراً، وأحضرت عنده فقتلها ووصى بالوزارة لابنه رزيك ولقب العادل، فانتقل الأمر إليه بعد وفاة والده. وللصالح أشعار حسنة بليغة تدل على فضل غزير، فمنها في الأفتخار: وهي طويلة. وكان الصالح كريماً فيه أدب، وله شعر جيد، وكان لأهل العلم عنده أنفاق، ويرسل إليهم العطاء الكثير، بلغه أن الشيخ أبا محمد الدهان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره وهو هذا: فجهز إليه هدية سنية ليرسلها إليه، فقتل قبل إرسالها. وبلغه أيضاً أن إنساناً من أهل الموصل قد أثنى عليه بمكة، فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هدية. وكان الصلح إمامياً لم يكن على مذهب العلويين المصريين، ولما ولي العاضد الخلافة؛ ركب سمع الصالح ضجة عظيمة، فقال: ما الخبر؟ فقيل: إنهم يفرحون بالخليفة. فقال: كأني بهؤلاء الجهلة وهم يقولون ما مات الأول حتى استخلف هذا، وما علموا أنني كنت من ساعة أستعراضهم استعراض الغنم. قال عمارة: دخلت إلى الصالح قبل قتله بثلاثة أيام، فناولني قرطاساً فيه بيتان من شعره وهما: فكان آخر عهدي به. وقال عمارة أيضاً: ومن عجيب الاتفاق أنني أنشدت ابنه قصيدة أقول فيها. فانتقل الأمر إليه بعد ثلاثة أيام.
|